حيدر السومري
شاهد مسلم جبار وعائلتهُ (عائلة ابو ستار )الماء وهو يختفي من حولهما وهم يخسروا حلالهم يوماً بعد يوم وصار الزاماً عليهما أنقاذ مايمكن انقاذه ليستمر في العيش بينما كانوا في السابق يخوضون رحلة النزوح على آملينَ بحلول المعجزة
بسبب مواسم الجفاف التي أخذت تستشري ظواهرها في محافظات ومدن العراق بين فترةً واخرى دفع مسلم وعائلتهُ الى النزوح من ناحية الحمار مروراً الى محافظة النجفِ ليعودَ بهم الزمنِ لاحقاً الى ناحية الحمار حتى أصبحت محطتهم الحالية هور ابو زرك احدى قرى قضاء الفهود (٦٥ كم جنوب شرقاً محافظة ذي قار)بعد ان جفت الارض وانعدمت الحياة في قريتهم ونزوح نحو ٢٠ عائلة من منازلهم من اقربائهم وجيرانهم
عندما كنتُ ملتقياً بمسلم جبار وهو عائداً بدراجتهِ (ستوته) من العملِ وهو شابً في مقتبلِ عمر (اعزب) في بداية العشرون عاماً تاركةً الشمس الحارقةُ اثرها على وجههُ يعمل في حمل ونق البضائع من خلالها في الأسواق من اجل كسبِ قوت يومه بعدما كانوا يعتمدون بشكل أساس على تربية الحيوان وعلى الرغم من تقصير الواضح في الجهات الحكومية وعدم وجود مؤسسات داعمة لمربي الجاموس الا انهم لايزالوا يصارعون من أجل البقاء في منازلهم المبنية بيوتها من الطين التي سابقاً كان يحوطها الماء من كل الأنحاء وينتصب القصب على ضفافها ويطفوا الجاموس على سطح مياهها
مع استمرار أزمة المياه والجفاف رافقهما غلاء حاد في أسعار العلف الحيواني قد يصل الى ٥٠٠-٦٠٠ الف دينار للطن الواحد لايكفي غذاءً لشهر واحد فقط بينما سعر الجاموس الواحد حالياً لايتجاوز ال مليون وربع دينار كما يقول مسلم مما دفعه الى ان يقوم ببيع بعض حلاله لتعويض مبالغ لشراء العلف لباقي الحيوانات المتبقية
لايمثل مسلم وعائلتهِ حالة نادرة فلقد سجلت منظمة التواصل والاخاء- وهي منظمة محلية في ذي قار اخذت تهتم با البيئة -هجرة نحو ٥٣٠ عائلة من أقضية ونواحي مختلفة في محافظة ذي قار خلال السنوات السابقة القليلة الماضية بسبب شحة المياه وفقدان اغلب مربي الجاموس موارد عيشهم
جنة عدن بلا حياة
الأهوار المسماة بجنة عدن وهي مسطحات مائية في جنوب العراق وتعتبر ثاني اكبر المسطحات المائية في الشرق الأوسط وهي ترتبط بثلاث محافظات هي (ميسان ،ذي قار ،بصرة )وشكل اهوار الحويزة والحمار الغربي اهم مراكز التوازن البيئي و الاحيائي لهذا السبب هذه المناطق دخلت الى قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) تعتبر اكبر منطقة في العالم تضم دلتا داخلية في بيئة حارة وجافة ولكن حرارة المناخ والأراضي القاحلة التي تحيطها وقطع المصادر المائية من قبل دول المنبع (تركيا ،ايران ،سوريا ) اخذ يجف ويجعل إعداد هائلة من الجاموس على أرضها صريعةً
لقد خسر مسلم نحو ٧٠ جاموس ً وبقي ٣٠ رأسً فقط بعد ما كان يمتلك ١٠٠ جاموسً نتيجة قلة المياه مما سبب بتلوث القسم المتبقي وهذا ادى الى انتشار الأمراض والاوبئة
وعند الحديث معهُ حول اجراء ودور الحكومة المتبعة يقول الى الآن لانملك مياه صالحة للشرب حتى الى سقي الحيوان مما اضطر بنا الآمر الى الذهاب وشراء المياه من محطات معالجة المياه (آرو) ووصل بنا الحال الى ان الجهات الصحية والرقابية والتي يفترض انها مسؤولة عن تلقيح الجاموس اصبح لا يأتون الا فقط عندما ندفع لهم الأموال مقابلاً لذلك عسى ان تتلطف بناء السماء با الإمطار يوماً ما او تعود المياه وفق المشيئة الالهية
لا وجود للحياة بلا وجود المياه
نزح الكثير من أقارب مسلم وجيرانه الذي كانوا يعيشون با القرب من منزلهِ ولم يستطيعوا مواصلة البقاء ودفع بهم الحال الى النزوح في اماكن قريبة من مركز القضاء التي يتوفر فيها المياه ومصدر العيش وهو ينوي الان بيع ماتبقى من حلاله واللحاق بآقرانهِ وشراء منزل على طراز المدينة وترك حياة الريف والتحول الى العيش مجبراً على وفق حياة التمدن وهو الخيار الأصعب كونهم تعودوا للعيش على نمطً مختلف تاركاً لمصيرها الذي سيحددهُ هطولِ الأمطار في الموسم الشتوي القادم .