شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

جدل محموم حول استعمالات المياه الجوفية في العراق.. آراء متضاربة تدفع للتساؤل: ما أفضل طريق لاستثمارها؟

جدل كبير ومستمر يدور حول استعمالات المياه الجوفية في العراق، فبينما عمدت وزارة الموارد المائية إلى حفر آبار للاستفادة من هذه المياه، حذر مراقبون من هذه الخطوة واصفين بأنها تمثل خطراً على التوازن البيئي، وهو ما خالفه اتجاه آخر من المراقبين للشأن البيئي.

في أيلول الماضي، كشفت وزارة الموارد المائية أنها حفرت نحو 600 بئر في مناطق مختلفة منذ مطلع عام 2023، في خطوة الهدف منها حفر 1000 بئر لتوفير مياه الشرب بحلول نهاية ذلك العام ضمن ما سُمي بخطة النفع العام.

وقال أحد المسؤولين في وزارة الموارد المائية رفض الكشف عن اسمه، إن “الأنبار وديالى وواسط والمثنى وبغداد وذي قار في الصدارة من حيث عدد الآبار المحفورة للحصول على المياه”. مشيراً إلى، أن “مياه الإسالة الآتية من نهري دجلة والفرات توقفت في مدن عدة، من جراء انخفاض المناسيب، وبالتالي صار سكانها يعتمدون على الآبار في حياتهم”.

*هل هي متجددة؟

وأقرّت وزارة الموارد المائية بانخفاض الخزين الاستراتيجي للمياه الجوفية للعراق، مشيرة إلى أن هذه المياه لا تتجدد ولا يمكن تعويضها.

وقالت الوزارة، إن “سبب هذا الانخفاض يعود إلى قلة وانعدام تجدد تلك المياه في المناطق الصحراوية تحديداً”.

ويمتلك العراق 5 ملايين متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة والتي يمكن تعويضها من الأمطار، فضلًا عن الخزين الاستراتيجي غير معلوم الكمية إلا أنه عند استخدامه لا يمكن تعويضه.

وزير الموارد المائية الحالي، عون ذياب، قال في تصريح سابق، إن “العراق يملك خزينا متجددا من المياه الجوفية يمكن تعويضه من خلال سقوط الأمطار، حيث يبلغ 5 مليارات متر مكعب، متوفر في طبقات متعددة من الأراضي العراقية”. مشيرا إلى، أن “حجم المياه الجوفية الاستراتيجي غير محدد بشكل دقيق في الوقت الحالي، ولا يمكن استخدامه إلا في حالات الطوارئ لعدم إمكانية تعويضه”.

وأشار الوزير العراقي إلى أهمية المياه الجوفية في تعويض البلد نتيجة قلة سقوط الأمطار سنويا، محذرا من الاستغلال الجائر لتلك المياه، داعيا لاستغلالها عقلانيا لتخدم البلاد في سنوات الجفاف المائي.

*المتجدد واللا متجدد

في 2021، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية (آنذاك) عون ذياب، إن “هناك خزيناً متجدداً وخزيناً استراتيجياً من المياه الجوفية، الخزين المتجدد هو الخزين الذي يمكن تعويضه نتيجة سقوط الأمطار سنوياً، ويتوفر في طبقات متعددة من الأراضي، خاصة في منطقة الصحراء الغربية وفي عدة مناطق أخرى”.

وأضاف ذياب، إن “الخزين المتجدد يُقدر بأكثر من 5 مليارات متر مكعب، ويُستغل حالياً بنسب كبيرة وبتفاوت في بعض الأحواض، حيث هناك أحواض تُستخدم بشكل غزير بحيث تتسبب بخفض منسوب المياه الجوفية، وأحواض أخرى تُستغل بشكل أقل”.

وتابع: “أما الخزين الاستراتيجي، فهو الخزين الثابت غير المتجدد، والذي لا يمكن تعويضه إذا تم استغلاله، ولذلك الوزارة حذرت من استخدامه”، لافتاً إلى أن “هناك مساحات من الصحراء تُزرع بالمحاصيل الشتوية مثل الحنطة والشعير بطريقة الرَّي بالرش بواسطة الأجهزة المحورية، والتي تكون على شكل دوائر للرش، وفي الآونة الأخيرة كان هناك توسع بهذه الآلية للزراعة وفي أغلب المناطق الصحراوية، سواء في الصحراء الغربية وكربلاء والأنبار وصلاح الدين”.

وأوضح، إن “الخزين الجوفي الاستراتيجي أو الثابت، خزين كبير لكن تتفاوت نوعيته باختلاف نسبة الملوحة فيه، حيث تكون في بعض الطبقات المياه مالحة، وفي بعضها مياه مَجَّة، وهناك في بعض الأماكن مياه جيدة للزراعة خاصة في المناطق الصحراوية في الترب الرملية”.

*خطة زراعية تعتمد على المياه الجوفية

وأقرّت وزارتا الزراعة والموارد المائية العراقيتان، خطة زراعية للموسم الشتوي المقبل، تعتبر هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، عبر الاعتماد على المياه الجوفية بشكل رئيسي في تأمين مياه السقي، وسط تحديات كبيرة تتعلق بإمكانية الدولة تأمين منظومات السقي الحديثة التي باتت تبيعها للفلاحين بأسعار مدعومة، وفقاً لخطة تهدف إلى تقليل استهلاك المياه ومغادرة طرق الرّي القديمة.

وفي هذا الصدد، حذر الخبير في مجال المياه والزراعة عادل المختار، من خطورة سيناريوهات استنزاف المياه الجوفية في العراق.

وقال المختار، إنه “جرى استنزاف بشكل قاسٍ جدا في السنوات الـ 4 الماضية “. مبينا، إن “معدلات الزراعة بالاعتماد عليها تجاوزت الـ4 ملايين دونم في الخطط الموسمية”.

وأضاف، إن “استنزاف المياه الجوفية خطير وسيناريوهاته كارثية”، لافتا الى أن “جفاف بحيرة ساوه وجنوب سنجار ومناطق أخرى كلها رسائل عن عمليات استنزاف كبيرة تجري للمياه الجوفية في البلاد ناهيك عن انحسار مياه الآبار بمعدلات غير طبيعية”.

وأشار الى أنه “دون اعتماد حقيقي على آليات الزراعة الحديثة لإيقاف هدر المياه سيواجه العراق مصاعب جمَّة في توفير المياه، مؤكداً ضرورة إعادة النظر بالخطط الزراعية بالاعتماد على المياه الجوفية”.

*الطريقة الأمثل لاستثمارها

وأعرب متخصصون في المياه الجوفية عن مخاوفهم من الاستنزاف العشوائي لها في جنوب البلاد، وذلك بعد لجوء المزارعين وعموم المواطنين في السنوات الأخيرة إلى حفر الآبار بهدف استخدام مياهها في مجالات زراعية وصناعية، فضلًا عن الاستخدام المنزلي، عقب تفاقم مشكلة الجفاف، لذا فلابد من استخدامها بطريقة مثلى.

وقال مدير البرنامج في العراق علي رضا قريشي، إن “استخدام المياه الجوفية في العراق يمثل كارثة في طريقها إلى الحدوث، إذ إن هذا النوع من المياه يأتي من الأمطار ويُحتفظ به في أحواض داخل الأرض لحفظ التوازن واستهلاكها سيخلق حالة من النضوب بمرور الوقت”.

وأضاف قريشي، “لا أقف بالضد من استخدام هذه المياه في الزراعة أو غيرها، لكن يجب أن يكون ذلك وفق إدارة تمنع هدر المياه وتحفظها، بما يحفظ التوازن داخل الأرض”، مشيراً إلى أنه “لا يمكن للعراقي أن يكون أنانياً باستخدام هذه المياه، لكونها تمثل مستقبل البلاد، في ظل تناقص موارد المياه في العالم”.

ودعا مدير برنامج الأغذية في العراق إلى “استخدام الحلول طويلة الأمد، مثل إعادة تدوير المياه المستخدمة يومياً، لكونه يمثل حلاً لمشكلة المياه التي يعاني منها العراق منذ سنوات”، موضحاً أن “الحلول الآنية الحالية لا تنتج أي معالجة على الإطلاق، ويجب دعم ذلك بسلسلة تشريعات وتكنولوجيا صحيحة لتقييم حجم المياه واستخدام آلية إعادة ضخ المياه أكثر في المياه الجوفية”.

ويقترح قريشي، “إقامة أحواض مائية تحت الأرض في المناطق التي تتجمع فيها المياه الجوفية، فضلاً عن استخدام حصاد المياه، إذ يمكنهما حفظ المياه الجوفية وزيادتها مستقبلاً”، مشيراً إلى أن “كل هذه الحلول يمكنها منع هدر المياه خصوصاً إذا ما علمنا أن الحل موجود في يد المجتمع نفسه الذي يمكن أن تتظافر جهوده من أجل معالجة هذا الشح”.

ونبّه إلى أن “البرنامج يعمل مع محطة بحوث المياه في وزارة الموارد المائية، وجزء من هذا العمل يتعلق بالمياه الجوفية، من خلال مراقبتها باستخدام صور الأقمار الصناعية، ونسعى لإقامة مشروع لإعادة تدوير المياه باستخدام حلول تعتمد على الطبيعية لتكون حلاً إجمالياً لمشكلة المياه بشكل عام”.

وأشار إلى، أن “البرنامج عمل على إعداد تحليل خاص بالأراضي المزروعة وغير المزروعة باستخدام صور فضائية، لمعرفة حجم تلك الأراضي، والجانب الأكثر أهمية فيها هي الأراضي والمزارع المهملة التي لا تُزرع في الوقت الحالي، نظراً للظروف المائية التي يعانيها العراق وعدم استغلالها بالشكل الصحيح”.

من جانبه قال الخبير في مجال الهندسة البيئية حيدر محمد عبد الحميد، إن “المياه الجوفية خزين متجدد، وهناك الكثير من الدراسات العالمية التي حددت أرقاماً مبالغا فيها عن كمياتها”، مشيراً إلى أن “أرقامها تتراوح ما بين 5 و6 مليارات متر مكعب وتتواجد في مناطق الهضبة الغربية ووسط وجنوب العراق وبعض من الموارد في المناطق الشمالية”.

وأضاف، أن “20 % من الموارد المائية في المناطق الشمالية تعتمد على مصادر المياه الجوفية، في حين أن هنالك استخداماً ضئيلاً لها في مناطق الوسط والجنوب”، داعياً إلى “الاستخدام العقلاني لهكذا نوع من المياه، واللجوء إليها فقط في حال استمرار شح المياه على وفق كميات مدروسة توازي كمية ما يتم ضخه من مياه الأنهار والرواسب المائية في الطبقات الجيولوجية”.

*الاعتمادات الدولية

المنطقة العربية هي إحدى أكثر المناطق ندرةً في المياه في العالم، فيها 19 دولةً تحت عتبة ندرة المياه. ويزداد الوضع تعقيداً بسبب الموارد المائية العابرة للحدود لا سيّما أنّ ثلثي الموارد المائية في المنطقة العربية تعبر حدود بلدٍ أو أكثر.

ومن العوامل الأخرى التي تزيد مشكلة ندرة المياه هي التلوّث، وعدم الكفاءة في استخدام المياه، ومعدّلات النمو السكاني المرتفعة، والتغيُّر المناخي، والظواهر الجوية القصوى. ويؤثر الاحتلال والصراع في قدرة الناس على الحصول على المياه وخدمات الصرف الصحي. وتعتمد أكثر من نصف الدول العربية اعتماداً كبيراً على المياه الجوفية مورداً أساسيّاً للمياه العذبة.

ففي جيبوتي ودولة فلسطين وليبيا والمملكة العربية السعودية، تشكل المياه الجوفية أكثر من 80 في المائة من مجموع المياه العذبة المستخدمة. ويزداد استخدام المياه الجوفية في بلدانٍ تشكّل المياه السطحية فيها المصدر الأساسي للمياه العذبة.


شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

اترك تعليقاً