شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

01 أغسطس، 2023 / العرب_ بغداد

يجبر تغير المناخ الآلاف من العراقيين على النزوح إلى المدن الكبرى بحثا عن مستقبل أفضل، حاملين معهم أفكارهم وعاداتهم وموروثهم الثقافي ما قد يتسبب بصدامات ثقافية وأحيانا أعمال عنف في العاصمة بغداد والمدن الكبرى.

وتقول مرام حبيب الشابة العراقية التي تعيش في بغداد لإذاعة صوت ألمانيا (دويتشه فيلله) إن المناقشات والسجالات الكلامية بين سكان العاصمة عادة ما تبدأ صغيرة.

وتضيف مرام التي لم ترغب في الكشف عن اسمها الحقيقي، أن الأمر يأتي على عكس الوضع في مسقط رأسها في قرية قرب كربلاء، قائلة “في قريتي، لا يقبل الناس جلوس الغرباء خارج منازلهم لكن في المدينة يفعل الجميع ذلك وبات الأمر مألوفا”.

وتواصل كلامها بأنه “من المقبول جلوس الناس في الطرقات خارج منازلهم، لكن سكان قريتي لا يفهمون هذا، لذا فهم يعترضون على ذلك. وقد يتطور الأمر إلى شجار”.

وتتابع مرام أن “الأسر في القرى ليست معتادة على رؤية نساء يرتدين ملابس غربية مثل الجينز والملابس ذات الأكمام الفضفاضة، لكن هذا المشهد يعد مألوفا في بغداد”.

وتضيف وعلى وجهها تعلو ابتسامة “عندما ينتقل سكان القرى إلى العيش في المدن يعتقدون أن النساء اللواتي يرتدين ملابس غربية عاهرات. وقد يتسبب ذلك في مشاكل. أنا من قرية، لذا أفهم الخلفية الثقافية وراء ذلك وأحاول التحدث معهم. لكن ذلك قد يتسبب في مشاكل”.

ويرى خبراء أن هذا النوع من المشاكل المجتمعية من المرجح أن يزداد في العراق مع تفاقم تداعيات ظاهرة تغير المناخ خاصة مع تحذيرات أممية من أن العراق من أكثر خمس دول في العالم تضررا من تغير المناخ، حيث أن حوالي 92 في المئة من الأراضي العراقية مهددة بالتصحر، فيما تزداد درجات الحرارة ارتفاعا بمعدل سبع مرات أسرع من المتوسط العالمي.

وعلى وقع ذلك، فإن مستقبل مجال الزراعة غير محسوم ما يدفع العائلات التي تعيش في القرى إلى الهجرة إلى المدن الكبرى بحثا عن عمل وفرص عيش أفضل.

ويشير جيمس مون مدير فرع منظمة “المجلس النرويجي للاجئين” في العراق إلى أن القرى “تعاني من نقص الوظائف وضعف البنية التحتية وندرة المياه وقلة المدارس والمستشفيات، فيما يتفاقم ذلك مع تزايد شدة ظاهرة تغير المناخ. لذا يضطر كثيرون إلى الانتقال إلى المدن الكبرى”.

ويكشف بول ديلون الناطق باسم المنظمة الدولية للهجرة بأنه خلال الفترة ما بين يونيو 2018 ويونيو 2023، نزح ما لا يقل عن 83000 شخص “بسبب تغير المناخ والتدهور البيئي في وسط وجنوب العراق”.

ويضيف أن موجات النزوح “تتم من المناطق الريفية إلى الحضرية وعلى مسافات قصيرة، فيما تشهد المجتمعات المضيفة في المناطق الحضرية توترات”. وفي بعض الأحيان، ينتهي المطاف بالعديد من النازحين بسبب تغير المناخ إلى العيش في أكواخ أو تجمعات سكانية عشوائية في المدن الكبرى ومحيطها.

وفي هذا السياق يقول ديلون إن “الوافدين الجدد يميلون إلى العيش على هامش نظام اعتاد عليه سكان المدن، فيما يتم توظيف غالبية النازحين في وظائف ذات رواتب منخفضة في مجالات عمل غير رسمية في الأسواق والورش بينما يعمل سكان المدن في الغالب في وظائف حكومية”.

ويجد النازحون أنفسهم في تنافس شديد مع سكان المدن للعيش في ظل بنية تحتية باتت حرجة مع نقص في وسائل نقل والرعاية الصحية وفرص للتعليم وتردي منظومة الصرف الصحي وأزمة مياه الشرب النظيفة. وفي ضوء ذلك، فإن فرص الإصابة بالأمراض العقلية وتعاطي المخدرات أكبر مع محدودية شبكات الدعم الاجتماعي.

ويتزامن هذا مع ما أشارت إليه تقارير صدرت عن منظمات دولية حقوقية، إلى أن وتيرة الكراهية تزداد بين سكان القرى والمدن حيث يشكك سكان المدن في أن النازحين القادمين من القرى يميلون إلى ارتكاب جرائم وأعمال عنف ويصطحبون معهم خلافات قبلية فضلا عن أن الأطراف السياسية في المدن تميل إلى تقديم النازحين ككبش فداء لتقاعسهم عن حل أزمات المدن.

وقد لاحظ علماء الاجتماع منذ فترة طويلة تزايد الاختلافات السياسية بين سكان المدن الذين قد يكونون أكثر ليبرالية وتسامحا مع التنوع الثقافي من جهة، وبين سكان القرى الذين يكونون أكثر تحفظا أو تدينا ما يعني أن الأمور البسيطة مثل قضية ملابس المرأة قد تتفاقم بشكل خطير.

وتعدّ مدينة الصدر المثال الأوضح على ذلك، حيث بُنيت في خمسينات القرن الماضي لاستيعاب سكان القرى الذين نزحوا بسبب الجفاف والفقر والتهجير.

وفي ذلك يقول هوما غوبتا أستاذ الهندسة المعمارية في إحاطة عام 2021 لـ”مركز كراون لدراسات الشرق الأوسط” ومقره الولايات المتحدة، إنه بمرور الوقت أقدم النازحون من القرى إلى المناطق التي يعيشون فيها على بناء “مواقع للممانعة” مما عزز من قوة الشيوعيين والقوميين ولاحقا الأحزاب الشيعية.

وأضاف أن الهجرة الريفية إلى بغداد “أدت إلى تغيير المسار السياسي للعراق”. ويدلي خبراء ومنظمات بدلوهم في تقديم الحلول لهذه الأزمة الخطيرة التي يواجهها العراق في قادم الأيام.

من جانبها، تقترح المنظمة الدولية للهجرة أن تركز البرامج المستقبلية على دعم جهود التماسك الاجتماعي في المناطق التي يتم فيها تسجيل عدد كبير من النازحين بسبب تغير المناخ فضلا عن دعم حقوق المهاجرين والنازحين الذين ينتقلون إلى المدن والمحافظات.

ويقول الخبراء إنه يتعين على السلطات إطلاق حملات توعية وبناء مساكن أفضل للنازحين خاصة أن العراق يعاني من نقص في المنازل مع الحاجة إلى بناء 2.5 مليون وحدة سكنية إضافية وتعزيز فرص العمل، لكن بسبب الفساد والأزمات السياسية، لم تتمكن الحكومة العراقية من الاستجابة بشكل مناسب لتداعيات ظاهرة تغير المناخ.

وفي ذلك يقول الناشط البيئي العراقي أحمد صالح نعمة إنه بالرغم من أن بعض أجهزة الحكومة تتحدث عن هذه الظاهرة، إلا أن الحكومة لا تمتلك خطة لمواجهة ذلك.

ويضيف “لا تزال الحكومة تنكر بعض الإحصائيات المتعلقة بالنزوح الداخلي، لذلك لا توجد خطة في هذا الصدد. أما بالنسبة إلى الوكالات الدولية، فإن منظمات مثل الأمم المتحدة لا تزال في طور البحث والعمل على طريقة تقديم المساعدة للجانب العراقي”.


شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

اترك تعليقاً