يذكر ابن منظور – أديب ومؤرّخ وعالم عربي- أن ” العراق : من بلاد فارس… سمي بذلك لأَنه على شاطئ دِجْلَةَ، وقيل سُمِّيَ عِراقاً لقربه من البحر، وأَهل الحجاز يسمون ما كان قريباً من البحر عِراقاً. وفي معاجمِ اللغة بشكل عام، العِرْقُ يعني “أصل كل شيء”، وما بين دجلة والفرات، وحين تَكشف لك أرض العراق عن سخائها، تتجلى تلك الأصول أمام عينيك من سكان وتُربة وتراث، ورغم هذا فهي أرض تحمل المعنى وضده في صورة واحدة.
التغير المناخي في العراق
في عام 2022، أجرت بعثة اللجنة الدوليّة في العراق، بالتعاون مع الهلال الأحمر العراقيّ، مسابقتها السنويّة للتصوير الفوتوغرافيّ عن التغير المناخي. وتحول هذا الموضوع الجاف والأكاديمي إلى صور نابضة تتحدث فيها الطبيعة بذاتها عن هذه الظاهرة بفضل الحساسية الفنية لأعين المصورين المشاركين.
هل زُرتَ العراق من قبل؟ إن كنتَ فعلت، فلعل ما ستراه في تلك الصور سيكون مختلفًا عن الواقع والأصل الذي رأيته يومًا، ويجعلك تتساءل أكانت ذكرياتي سرابًا!
وإن لم تكن زرتها أبدًا، فلن تجد في تلك الصور إحصائية عنها مفادها أن “العراق هو خامس البلدان الأكثر عرضة للتدهور المناخيّ عالميًا” ولن ترى أرقامًا جامدة عما كان وما صار، بل سترى بعينيك التضاد الفعليّ الذي يحياه سكانها ما بين الماضي والحاضر.
هذه أراضي العراق التي كانت تزدان يومًا باللون الأخضر وتتألق بخصوبتها، نشهدها اليوم والأصفر يزحف عليها بصبرِ وببطيءِ ويحول هواءها إلى رمال. أما أهلها الذين اعتادوا استقبال الأمطار بوجوه متهللة، صاروا يضعون اللثام على وجوههم؛ لأنها باتت تُمطر ترابًا.
أترى؟ ارجع البصر. هل تتساءل كيف تجتمع تلال النفايات مع السماء الصافية والأرض الخضراءِ في مشهد واحد؟ وهل ستناطح تلك التلال يومًا السحابَ؟ خلف تلال النفايات العالية في السليمانية ما زال جمال العراق مبسوطًا على مد البصر يأسر ناظريك، وينطبع في ذاكرتك، حتى حين تحجبه تدريجيًا تلال القبح العاليّة.
حين تخطو قدمك على تلك الضفة، ونخبرك أن هُنا “الأهوار” في ذي قار الجبايش بالعراق، غالب ظنك هو أنك ستمتّع ناظريك برؤية تلألؤ أشعة الشمس على صفحة المياه العذبة، وصوتِ اندفاعها الشديد يخطف سمعَك، ولكن الآن والحال هو ما تحكيه الصورة فقد يشكّ الرائي أن الماء فاض هُنا يومًا ما دامت الزوارق تُعانق الأرض الجدباء من شدة الظمأ.
فما بالك بشعور الأطفال هُنا؟ يساورهم شك عن كيف كانت المنطقة يومًا وخُطاهم تلمس أرضًا متشققة يابسة، والشاهد الوحيد على سخاء الأهوار هو ذكرى الأجداد. أجداد رأوا الأخضر والخصوبة والماء، وأطفال عاصروا اليابس والجدب والجفاف.
وبين جيل رأى الماء وآخر رأى الجفاف، رأى جيل الوسط كليهما في عمر واحد، فهو جيل لديه من الحنين ما يجعله يتحسر ومن الأمل ما يستحثه على أن يحلم بأن يعود الحال يومًا كما كان. في هذه الصورة، في ذي قار الجبايشِ، يخطو رجلٌ على أرضِ قرية ظمأت بالكامل متجهًا لما بقي من الأهوار ليأتي بالقصب والبردي ليطعم ماشيته.
هذا هو الحاضر، آثار خطوات على أرضِ انحسر الماء عنها، ولكن أيُّ غدٍ بانتظارها؟ الجواب يلفّه الغموض ما دُمنا نُفكر في تغيّر المناخ باعتباره كارثة بعيدة، رغم أن العراق يعيشها بالفعل، وسكانه يصدقون الظاهرة دون حاجة إلى الأرقام والإحصائيات والمقارنات؛ لأنها حياتهم في كل يوم.
الحقائق عن تغير المناخ في العراق اليوم
_ العراق هو خامس البلدان الأكثر عرضة للتدهور المناخيّ في العالم، بالنظر إلى الظواهر المناخيّة العنيفة مثل درجات الحرارة العالية، وعدم كفاية الأمطار ونقص هطولها، والجفاف وندرة المياه، وتكرار العواصف الرملية والترابية والفيضانات.
_ في عام 2013 هبت على العراقِ أكثر من 300 عاصفة رملية، بينما في الفترة ما بين عام 1950 إلى عام 1990 كان عدد العواصف الرملية أقل من 25 عاصفة في السنة الواحدة.
_ 94% من النازحين في محافظات العراق الجنوبية ذكروا ندرة المياه سببًا رئيسيًا لنزوحهم.
_ بحلول عام 2001 اختفى 90% من الأهوار ففقد العراق التنوع البيولوجي، وكان ذلك سببًا للنزوح واسع النطاق