تمارا عماد _ العالم الجديد
النفايات الإلكترونية في بغداد.. غياب المعالجة وتفاقم المخاطر
في زوايا مظلمة من العاصمة بغداد، تتراكم جبال من الأسلاك، والشاشات المتصدعة، وأجهزة الحاسوب المتهالكة. إنها مقبرة النفايات الإلكترونية، كنز مدفون من المعادن الثمينة والسموم القاتلة، بعضها يدفن في باطن الأرض، وبعضها الآخر يتم حرقه في العراء مسببا تلوثا في الهواء الذي يتنفسه سكان العاصمة بغداد.
يُظهر هذا التحقيق في جانب من مكبات النفايات ببغداد أن الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة والكيبورد اللوحي تحتل الصدارة في قائمة النفايات الإلكترونية الأكثر شيوعا، تليها شاشات التلفاز القديمة والأجهزة المنزلية الكبيرة مثل الثلاجات والغسالات. هذا التراكم المقلق يشير إلى نمط استهلاكي متسارع يتجاهل مخاطر التخلص غير الآمن من هذه الأجهزة وما تحتويه من مواد سامة.
تبدأ رحلة النفايات الإلكترونية في العاصمة بغداد من لحظة التخلص من الأجهزة الإلكترونية الشخصية أو الأجهزة الكبيرة في المنازل والمحال التجارية. تمر هذه النفايات عبر سلسلة من الباعة والوسطاء والتجار، لتصل في النهاية إلى مصير مجهول، وقد ينتهي بها المطاف في مكبات عشوائية، حيث تتسرب مكوناتها السامة إلى التربة والمياه الجوفية، أو تُفكك بطرق بدائية في ورش للتصليح، مما يعرض صحة العمال والبيئة لمخاطر جسيمة.
حجم وطبيعة النفايات الإلكترونية في بغداد
من جهته، يشير عضو مرصد العراق الأخضر البيئي، عمر عبد اللطيف، إلى أن مشكلة النفايات الإلكترونية تتفاقم مع زيادة استهلاك العراقيين للأجهزة الإلكترونية وتجديدها المستمر، دون وجود وعي كافٍ بخطورة هذه النفايات أو كيفية التخلص منها بشكل آمن. وبحسب رأيه، فإن النفايات الإلكترونية أصبحت قنبلة موقوتة تهدد صحة الإنسان والبيئة في العراق. “تخيلوا أن أربعة ملايين طن من الأجهزة الإلكترونية التالفة، محملة بالمعادن السامة والبلاستيك غير القابل للتحلل، ملقاة في العراء أو مدفونة بشكل عشوائي. إنها كارثة بيئية تنتظر الحدوث”، يقول عبداللطيف.
ويحذر الناشط البيئي، من أن يواجه العراق كارثة بيئية وصحية لا يمكن التنبؤ بعواقبها، الأمر الذي يقتضي كما يقول، “حلول جذرية لإدارة هذه النفايات، بدءًا من إنشاء مطامر صحية مخصصة، وصولًا إلى الاستثمار في إعادة التدوير واستخراج المعادن القيمة منها”.
ابو سجاد (46 عامًا)، يعمل في سوق الأجهزة التالفة كتاجر منذ سنوات يقول: “في هذا المجال، الكل يلعب دوره، فهناك ‘الجامعون’، وهم الناس العاديون الذين يبيعون أجهزتهم القديمة أو التالفة، ثم هناك ‘الوسطاء’، وهم الباعة المتجولون في الأسواق الشعبية الذين يشترون هذه الأجهزة من الناس ويجمعونها بكميات كبيرة. بعد ذلك، يأتي دور ‘التجار الكبار’، وهم أصحاب المخازن والورش الذين يشترون النفايات من الوسطاء ويقومون بفرزها وتصنيفها. بعض هذه النفايات يُباع إلى محلات التصليح، والباقي يُفكك في ورش خاصة لاستخراج المعادن الثمينة، أما بالنسبة للنفايات غير القابلة للاستخدام، فمصيرها غالبًا يكون المكبات العشوائية، داخل بغداد أو خارجها”.
ومن شأن رمي النفايات الإلكترونية في المكبات العشوائية ترك أثر مباشر وغير مباشر على الصحة العامة والمياه الجوفية والتربة، ذلك أن مكونات الأجهزة الإلكترونية خليط معقد من المواد الكيمياوية الثقيلة بحسب المختصين. وفي هذا السياق تقول الدكتورة شهلاء ابراهيم، المختصة في تلوث النفايات: إن “النفايات الإلكترونية ليست مجرد خردة معدنية وبلاستيكية، بل هي خليط معقد من المواد الخطرة التي تشكل تهديدًا حقيقيًا لصحة الإنسان والبيئة، إذ تحتوي (هذه الأجهزة) على مجموعة واسعة من المواد الكيميائية السامة، مثل الرصاص والزئبق والكادميوم والزرنيخ، بالإضافة إلى مثبطات اللهب المبرومة والمعادن الثقيلة الأخرى”.
بناءً على الشرح العلمي الذي تقدمه الدكتورة شهلاء، فإن هذه المواد لا تتحلل بسهولة في البيئة، بل تتراكم في التربة والمياه الجوفية، وتدخل في السلسلة الغذائية، مما يؤدي إلى آثار صحية خطيرة على المدى الطويل، ويمكن أن يؤدي التعرض لهذه المواد إلى تلف الجهاز العصبي، ومشاكل في الكلى والكبد، واضطرابات في النمو والتطور، وحتى السرطان.
لذلك، “فمن الضروري التعامل مع النفايات الإلكترونية بحذر شديد، وتطبيق إجراءات صارمة للتخلص منها بشكل آمن وصديق للبيئة، ويجب أن يتم تفكيكها (هذه الأجهزة) واستخراج المواد الخطرة منها بطرق علمية مدروسة، وعدم تركها لتتحلل في العراء أو حرقها، مما يزيد من انتشار السموم في البيئة” تقول الخبيرة البيئية.
ولسوق الأدوات الإلكترونية ومخلفاتها منطق لا يخضع للمعايير البيئية، وتلك الإجراءات التي تتطرق لها الخبيرة شهلاء إبراهيم، بل يخضع للرغبة الاستهلاكية، وتغيير الأجهزة، وفق الموضة واقتناء كل ما هو جديد، قتيبة محمد (31 عامًا) واحد من الذين يعملون في سوق تجارة “العتيك” (كما يطلق في العراق على السلع والمواد القديمة والتالفة)، شرق العاصمة بغداد.
وفي هذا السياق، يسترسل محمد، بأن الحياة تعود لكل شيء قديم، الهواتف المحمولة المكسورة، شاشات الكمبيوتر المتصدعة، وأجهزة التلفاز باهتة الألوان، كلها تتدفق إلى هنا من كل حدب وصوب، من البيوت والشركات والأشخاص، بعضها يصلح، وبعضها يُفكك لقطع غيار، والباقي ينتهي به المطاف في أكوام النفايات خلف السوق، مصيره مجهول، لكن الأكثر شيوعًا، هو الهواتف بلا شك. وبما أن نسخها وكذلك الموضة تتغير بسرعة، فإن الناس يبحثون دائمًا عن الأحدث، وهذا يتركنا نحن تجار الخردة الإلكترونية، نغرق في بحر من الهواتف القديمة”.
أما حسين كمال (20 عامًا) وهو عامل في سوق مريدي (سوق شعبي مختص ببيع المواد المستعملة والنادرة)، فيقضي يومه في دفع عربته المتهالكة بين أزقة المناطق القريبة على مكان سكنه في جانب الرصافة من العاصمة، مهمته بسيطة وتتلخص في شراء الأجهزة الإلكترونية القديمة والخردة الإلكترونية”، بعض الأيام تكون حصيلة يومي مجموعة هواتف محمولة قديمة أو جهاز تلفاز مهترئ، وفي أيام أخرى، أعود بعربة محملة بأكوام من الأسلاك والكابلات ولوحات الدوائر الإلكترونية”.
لا يهم حسين كمال، مصدر الأجهزة التي يشتريها ويجمعها، المهم أن يجد فيها قيمة، حتى لو كانت مجرد خردة معدنية. ويقول حول عمله، ” أحيانًا، أصادف أجهزة لا تزال تعمل، ويمكنني بيعها بسهولة، ولكن في معظم الأحيان، أتعامل مع أجهزة مكسورة أو قديمة جدًا لدرجة لا يمكن إصلاحها”.
مسارات النفايات الإلكترونية الحالية
إلى ذلك، كشف صادق حاتم، مدير مديرية بيئة بغداد، عن حجم التحدي البيئي الذي تواجهه العاصمة العراقية. وأكد أن “مؤشر جودة الهواء يرسم صورة مقلقة، حيث يتصدر أوكسيد الكربون والنيتروجين والرصاص والمركبات العضوية المتطايرة قائمة الملوثات الأكثر خطورة على صحة سكان بغداد”.
ورغم هذه الأزمة البيئية الخانقة، أشار حاتم، إلى وجود بصيص أمل يتمثل في “الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التلوث البيئي والحد من تداعياته”، التي يجري تطبيقها حالياً. ووصف هذه الاستراتيجية بأنها “خارطة طريق وطنية لوضع آليات عملية وفاعلة للحد من تأثير التلوث وتحقيق أهداف التنمية المستدامة”.
ومن الجدير بالذكر أن وزارة البيئة العراقية في اغسطس 2023، بالتعاون مع الفريق الوطني العراقي الممثل لكل الوزارات والجهات الحكومية وبالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي استكملت الاستراتيجية الوطنية لمواجهة التلوث البيئي وللأعوام 2023-2028. تهدف هذه الاستراتيجية إلى معالجة التحديات البيئية الملحة، بما في ذلك ضعف إدارة النفايات، والتلوث الناتج عن أنشطة النفط والغاز، وتدهور التربة والتصحر.
وتأتي هذه الاستراتيجية بعد سنوات من الفشل في تنفيذ خطط بيئية سابقة بسبب الحروب والصراعات، مما أدى إلى تفاقم مشاكل التلوث وتدهور حالة البيئة بشكل عام. وتسعى الاستراتيجية الجديدة إلى سد الفجوات في البيانات البيئية وتحديد الحالة النوعية للتلوث في العراق، بالإضافة إلى وضع خطط تنفيذية ملزمة لجميع قطاعات الدولة للحد من التلوث وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وتعتبر إدارة النفايات الصلبة والخطرة، بما في ذلك النفايات الإلكترونية، أحد المحاور الرئيسية لهذه الاستراتيجية، حيث تسعى الحكومة إلى معالجة مشكلة التخلص العشوائي من النفايات وتأثيرها السلبي على التربة والمياه والهواء.
وتستهدف خطة العمل البيئي انسجاماً مع «رؤية العراق 2030»؛ تحت شعار «إنسان مُمكَّن ينعم بالعدالة والحكم الرشيد في بلد آمن ومجتمع موحَّد واقتصاد متنوِّع وبيئة مستدامة»، استراتيجية وطنية للحدّ من التلوُّث البيئي حتى عام 2030، حماية وتحسين جودة الهواء والمياه والتربة، وتطوير وتحسين إدارة النفايات الصلبة، والحدّ من التلوُّث في قطاعي الصناعة والطاقة، وتعزيز الإطار المؤسساتي والقانوني.
ويتعلق الهدف الثالث من الاستراتيجية، بتحسين إدارة النفايات الصلبة، مراجعة وتحديث قوانين ومعايير إدارة للنفايات الصلبة، والتحكم بالحرق العشوائي في الهواء الطلق، وإنشاء كيان تنظيمي مركزي لإدارتها بالتوازي مع بناء القدرات الفنية اللازمة.
وبحسب فيديو منشور على الصفحة الرسمية على الفيس بوك لأمانة بغداد، يظهر عمل دائرة المخلفات الصلبة والبيئة، وبحسب ما ظهر في الفيديو، تعمل الدائرة على تطوير مناطق الطمر الصحي التي تقع في جانبي الرصافة والكرخ، وتستقبل هذه المطامر يوميًا اكثر من 9 ألف طن من النفايات ضمن حدود أمانة بغداد، كما تستعد الدائرة لتنفيذ توجيهات رئيس مجلس الوزراء لتنفيذ مشروع معالجة النفايات بالطرق الحديثة، واستثمارها الانتاج الطاقة النظيفة، مما يكشف أن الجهات المعنية مازالت حتى الآن تتبع الطرق القديمة في الطمر، دون فرز للمخلفات الصلبة بأنوعها، ولم يكشف أي تصريح داخل الفيديو الذي نشرته أمانة بغداد عن المدة زمنية لبدأ العمل وأشارت الأمانة أن المشاريع قيد الانشاء، مما يؤكد أن الاستراتيجية بأهدافها لم تدخل حيز التنفيذ بعد.
لمشاهدة فيديو امانة بغداد اضغط هنا
المخاطر الصحية والبيئية
ينتج العالم سنوياً كميات هائلة من النفايات الإلكترونية، تتجاوز في نموها المتسارع ثلاث أضعاف نمو سكان الكوكب. ففي عام 2019 وحده، وصل حجم هذه النفايات إلى رقم قياسي بلغ 53.6 مليون طن، إلا أن المفارقة تكمن في أن نسبة ضئيلة جداً، لا تتجاوز 17.4%، هي التي خضعت لعمليات جمع وإعادة تدوير موثقة رسمياً. بحسب منظمة الصحة العالمية في تقريرها المنشور عام 2023
الأطفال والنساء الحوامل هم الأكثر عرضة للخطر، ففي قطاع إعادة التدوير غير الرسمي، حيث القوانين غائبة والمعرفة شحيحة، يعمل ملايين الأطفال والنساء في ظروف بالغة الخطورة، يتعرضون خلالها لمواد كيميائية قاتلة قد تترك آثاراً مدمرة على صحتهم .
حيدر ذو التسعة أعوام واحد من الذين يتسلل بين أكوام النفايات الإلكترونية المتراكمة في مكب عشوائي بجانب ورش الفرز والتفصيخ في بغداد. بجانبه، يتحرك أشقاؤه الثلاثة، الأكبر منهم يبلغ 15 عامًا، يبحثون جميعًا عن أي جهاز إلكتروني قد يكون صالحًا للعمل أو قطع غيار يمكن بيعها.
تبدأ رحلة حيدر واخوته اليومية في الصباح الباكر، حيث يقضون ما بين خمس إلى سبع ساعات في نبش هذه الأكوام الخطرة، يتنفسون هواءً ملوثًا بمواد كيميائية سامة، ويتعاملون بأيديهم العارية مع أجهزة تحتوي على الرصاص والزئبق والكادميوم.
بين الحين والآخر، يتوقفون لالتقاط أنفاسهم، يأكلون قطعة بسكويت جافة أو يشربون الماء من حنفية قريبة بأيديهم الملوثة ببقايا النفايات. لا وقت لديهم للتفكير في النظافة أو المخاطر الصحية، فالهدف الأسمى هو العثور على أي شيء يمكن بيعه لتوفير لقمة العيش لأسرتهم الفقيرة.
“أحيانًا نجد هاتفًا يعمل، أو شاشة كمبيوتر يمكن إصلاحها”، يقول حيدر بصوت خافت، وعيناه تلمعان بأمل ضئيل. “نبيعها لتجار العتيك ونحصل على بعض المال لشراء الطعام”.
لكن هذه المكاسب البسيطة تأتي بثمن باهظ. فالأطفال الأربعة يعانون من مشاكل صحية متكررة، مثل السعال والصداع وآلام المعدة. لا يدركون أن هذه الأعراض قد تكون نتيجة مباشرة لتعرضهم اليومي للمواد السامة في مكب النفايات.
العراق ليس بمنأى عن هذه المشكلة العالمية، حيث تشير التقديرات إلى وجود 4 ملايين طن من النفايات الإلكترونية في البلاد حسب عمر عبداللطيف عضو مرصد العراق الأخضر البيئي.
عامر قاسم 38 عامًا يعمل كتاجر ومستورد للأجهزة المستعملة يقول: “الأجهزة المستعملة، أو ما نسميها هنا ‘الأجهزة الأوروبية’، هي شريان الحياة لسوقنا. الطلب عليها هائل، خاصة مع ارتفاع أسعار الأجهزة الجديدة. نتحدث عن مئات الأجهزة التي تدخل العراق أسبوعيًا، من هواتف وحواسيب محمولة إلى أجهزة تلفاز وألعاب إلكترونية. الناس يبحثون عن البديل الأرخص، حتى لو كان مستعملًا. صحيح أن بعض هذه الأجهزة بحالة جيدة، لكن الكثير منها يعاني من مشاكل خفية، وسرعان ما يتحول إلى نفايات إلكترونية”.
لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة حول حجم استيراد الأجهزة الإلكترونية المستعملة في العراق. هذا يعود جزئياً إلى طبيعة هذه التجارة التي غالباً ما تكون غير رسمية أو تتم عبر قنوات غير نظامية، مما يصعب عملية الرصد والتسجيل.
هذه الاعداد وقيمتها تشمل الكميات المشتراة من السلع من خارج العراق، بقيمة نهائية لسعر المشتري للأجهزة المستوردة.
كما أشار تقرير نشرته صحيفة (المدى) إلى أن أجهزة الهواتف النقالة ذات المواصفات الرديئة الداخلة للبلاد من دون رقابة أو فحص نوعي والتي تقدّر بمليوني دولار يومياً في ظل غياب التشريعات والقوانين الجمركية وإجراءات الفحص النوعي .
هذه الأرقام، تعكس حجم هذه التجارة وانتشارها الواسع في العراق، وما يترتب عليها من تحديات بيئية وصحية واقتصادية.
بكر محمود، مدير مبيعات في إحدى شركات الأجهزة الإلكترونية يقول:” تغرق بغداد في طوفان من النفايات الإلكترونية، يعزو ذلك إلى المنافسة الشرسة في سوق الإلكترونيات دفعت بالأسعار إلى الحضيض، وجعلت من شراء جهاز جديد أسهل وأحيانًا أرخص من إصلاح القديم. هذا الواقع خلق ثقافة استهلاكية خطيرة، حيث يتخلص الناس من أجهزتهم القديمة بمجرد ظهور طراز أحدث، دون أي اعتبار للتأثيرات البيئية والصحية لهذه النفايات المتراكمة، بسبب غياب تام للتوعية حول هذا الموضوع والخطر المتحتم عليه”.
رغم أن قانون حماية وتحسين البيئة العراقي رقم 27 لسنة 2009 يتضمن مواد عامة حول إدارة النفايات الخطرة، إلا أنه يفتقر إلى نصوص محددة تتناول النفايات الإلكترونية بشكل صريح. هذا الغياب التشريعي يترك الباب مفتوحًا أمام الممارسات غير الآمنة في التعامل مع هذه النفايات، ويعيق جهود مكافحة التلوث البيئي الناتج عنها.
من جانبه، يقول مقدام الجميلي، عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية في البرلمان العراقي: “نعترف بوجود فجوة تشريعية كبيرة في التعامل مع أزمة النفايات الإلكترونية والصلبة. ونعمل على سد هذه الفجوة من خلال السعي في التصويت على تشريعات خاصة تضمن التعامل الآمن مع هذه النفايات. نسعى لعقد اجتماعات موسعة تجمع جميع الجهات المعنية، من خبراء بيئيين إلى ممثلي القطاع الخاص والوزارات المعنية، للخروج برؤية واضحة وخطة عمل فعالة للتصدي لهذه المشكلة المتفاقمة”.
غياب منظومة المعالجة والتدوير
أما الأكاديمي المتخصص أياد أحمد، فيرى أن هنالك تجاهلًا صارخًا للقوانين واللوائح البيئية من قبل العديد من الجهات الفاعلة في قطاع النفايات الإلكترونية. وعلى الرغم من ان اتفاقية بازل تنص على ضوابط صارمة لنقل وتداول النفايات الخطرة، يشير الباحث الى أن العديد من التجار والورش يتعاملون مع هذه النفايات بطرق بدائية وغير آمنة، مما يعرض صحة الإنسان والبيئة للخطر. ويقول في هذا السياق “أن القوانين المحلية المتعلقة بإدارة النفايات الإلكترونية إما غير موجودة أو غير مطبقة بشكل فعال، مما يترك الباب مفتوحًا أمام الممارسات غير القانونية والضارة”.
وفي حين انضمت جمهورية العراق الى تعديل اتفاقية بازل بشأن التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود، تساهم عدة عوامل متشابكة في غياب مصانع أو مراكز متخصصة لتدوير النفايات الإلكترونية في بغداد. بحسب تصنيف أياد أحمد، أولا، هناك نقص في الاستثمار في هذا القطاع الذي يعتمد بشكل كبير على القطاع غير الرسمي، حيث لا يرى المستثمرون فيه جدوى اقتصادية كافية. ثانيًا، هناك نقص في الخبرة والمعرفة التقنية اللازمة لإدارة وتشغيل مثل هذه المرافق. ثالثًا، هناك ضعف في الإرادة السياسية لوضع وتنفيذ قوانين ولوائح صارمة لتنظيم هذا القطاع. وهذا ينتج التعامل مع النفايات الإلكترونية بطرق بدائية وغير آمنة، مما يزيد من المخاطر الصحية والبيئية.
وختم أحمد حديثه بالقول: “يمكننا الاستفادة من تجارب دول عربية رائدة في هذا المجال. على سبيل المثال، تبنت مصر مبادرة وطنية لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، حيث تم إنشاء مراكز تجميع ومعالجة متخصصة، وتطبيق قوانين صارمة لتنظيم هذا القطاع. كما أطلقت حملات توعية واسعة النطاق لتعزيز الوعي العام بأهمية إعادة التدوير.
في الإمارات العربية المتحدة، تم إنشاء (مدينة إعادة التدوير) في دبي، وهي مجمع متكامل يضم مصانع ومرافق متخصصة في إعادة تدوير مختلف أنواع النفايات، بما في ذلك النفايات الإلكترونية. تعتمد هذه المدينة على أحدث التقنيات العالمية في مجال إعادة التدوير، وتساهم في تحويل النفايات إلى موارد اقتصادية قيمة”.
تثبت التجارب المذكورة امكانية تحويل التحديات التي تشكلها النفايات الإلكترونية على الصحة العامة والنظم البيئية إلى فرصة للتنمية المستدامة عبر القوانين وانشاء مراكز تجميع ومعالجة متخصصة، وتشجيع الاستثمار في قطاع إعادة التدوير. تالياً، هل يستلهم العراق من إمكانيات الاستثمار في هذه النفايات، أم يبقى غارقاً بين جبال من النفايات الإلكترونية؟