شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

“هذه صفقة المياه مقابل حزب العُمّال..”

يمدّ رجب طيّب أردوغان، الحكومة العراقية، بآمال في تحقيق مكاسب لحل أزمة المياه، وملفات اقتصادية وأمنية أخرى، لكنه يفاوضها على السيادة.. “.. هذه صفقة المياه مقابل حزب العمال”

تبدو بغداد قريبة جداً من الانخراط، لأول مرة منذ 40 عاماً، في حرب ضد حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا، والمعروف اختصاراً بـ “PKK”، المتواجد في مناطق شمال العراق.

ومقابل ذلك، يمد رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي، الحكومة العراقية بآمال في تحقيق مكاسب لحل أزمة المياه، وملفات اقتصادية وأمنية أخرى.

وتنشر تركيا، وفق إحصائيات غير رسمية، نحو 7 آلاف عسكري بين ضابط وجندي، يتغلغلون بعمق يصل إلى 100 كم داخل الأراضي العراقية ولديهم 11 قاعدة عسكرية و19 معسكراً.


بداية القصة
حزب العمال الكردستاني (PKK) بدأ أولاً ماركسياً، قبل أن يتحوّل بعد ذلك إلى مجموعة تعمل وتتحالف مع قوى ذات خلفيّة إسلامية، مثل فصائل الحشد الشعبي ذات العقيدة الشيعية – في العراق.

يعود تأسيس الحزب إلى عام 1978، حيث تشكّل برئاسة عبد الله أوجلان- الذي سيعتقل بعد ذلك- وكان الهدف منه، بالأساس، إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرق تركيا.

استخدم الحزب، العمل العسكري في بدايات تأسيسه، ووصل عدد مقاتليه في التسعينات إلى 10 آلاف مقاتل، وتراجع حماسه عن إقامة دولة كردية الى إنشاء حكم ذاتي للكرد.

وخلال أكثر من 30 عاماً في قتاله لتحقيق أهدافه السياسية، سقط في عمليات الحزب أكثر من 40 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال.

وتبرّر بعض الجهات القريبة من الحزب، نشاطه المسلح بالحملات التي نفذتها الحكومة التركية في الثمانينيات ضد المجموعة، ما دفعها للانتقال إلى كردستان العراق.

لم يكن نظام صدام حسين، الذي يخوض حرباً ضد إيران، مُرحِّباً بوجود حزب العمال في المناطق الشمالية من أراضيه، ولهذا السبب قايض تركيا على السماح لها بملاحقة عناصر العمال على مسافة 5 كيلومترات (3.1 ميل) داخل الأرضي العراقية.

تنقل أوجلان، رئيس الحزب، بين العراق وسوريا، قبل أن يتم اختطافه وسجنه في تركيا بتهمة الخيانة، حتى الآن.

مطلع تسعينيات القرن الماضي، حدث تغيير كبير في العراق بعد حرب الخليج الثانية – الكويت 1990-1991، وفقدت بغداد السيطرة على شمال البلاد، وتمدّد حينها حزب العمال بشكل كبير. 

واستمر بالمقابل الجيش التركي، طبقاً لاتفاقه السابق مع صدام، بشن عمليات ضد حزب العمال في كردستان التي كانت حينها تتمتع بحماية دولية.

عقب اعتقال أوجلان، بدا حزب العمال مرتبكاً. 

يقول شقيق مؤسس الحزب عثمان أوجلان “بعد اعتقال اوجلان بذلت جهودا كبيرة في إعادة ترتيب صفوف الحزب لكن بعض القياديين انهارت معنوياتهم”.

حتى جاء 2003 واجتياح أمريكا للعراق، وإسقاط نظام صدام حسين، حيث بدأ أعضاء حزب العمال النزول من الجبال، وشاركوا في إدارة مدن بإقليم كردستان.

توسّعت هيمنة العمال رغم تعهد كل من الرئيسين الأمريكيين السابقين جورج بوش (2001-2009)، وباراك أوباما (2009-2017)، بملاحقته، بسبب التهديد الذي يمثله للمنطقة. وبطبيعة الحال، لم تتوقف العمليات العسكرية التركية داخل الأراضي العراقية.

وبظهور تنظيم “داعش”، وسيطرته على مدن واسعة في سوريا والعراق عام 2014، شهد العمال تحوّلاً جديداً.

العمال في سنجار
يقول مسؤول سابق في سنجار التي تسكنها أغلبية من الديانة الايزيدية في شمال الموصل، وأحد أهم معاقل حزب العمال في العراق، إن العمال “حارب ضد تنظيم (داعش) في شمال العراق، وحقق له هذا الأمر شعبية بين الإيزيديين خصوصاً”.

صعود حزب العمال رافقه عدم قناعة تركيا بإجراءات واشنطن للحد من نفوذ الحركة الكردية، وزادت الشكوك مع إشراك “وحدات حماية الشعب”، وهي مجموعة إيزيدية في شمال العراق ترتبط بـ(PKK)، بالحرب ضد “داعش”.

وهذا، ربما، ما دفع بعد ذلك تركيا إلى إنشاء معسكر في شمال الموصل، تم الكشف عنه بفضيحة في العراق عام 2015، بعد أن حاولت الحكومة العراقية وقتذاك، التكتُّم على الأمر.

وبحسب نائب سابق عن نينوى، فإن حيدر العبادي رئيس الوزراء الاسبق (2014-2018) كان لا يعلم بوجود المعسكر، وأرسل في 2015 وزير دفاعه (خالد العبيدي- نائب حالياً) لزيارة سنجار بمناسبة تحريرها (تحرّرت في تشرين الثاني 2015)، بعد معلومات عن وجود مجموعة كبيرة من القوات التركية قرب ناحية بعشيقة، 12 كم شمال شرق الموصل، بذريعة “تدريب متطوعين”.

وفق تصريحات عبد الرحمن اللويزي عام 2015، “بعد أيام تأكدت أنباء التعزيزات التركية ووصلت أعداد القوات إلى ألف عنصر في المعسكر نفسه (زيليكان)”.

الحكومة بدورها حاولت وقتذاك، التعامل بالطرق الدبلوماسية مع التواجد التركي.

واتفق حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق، مع نائب الرئيس الأمريكي آنذاك جو بايدن (الرئيس حالياً)، في مكالمة هاتفية، على منع أي تواجد قوات أجنبية في العراق دون التنسيق مع الحكومة العراقية.

ونشر البيت الأبيض في ذلك الوقت بياناً دعا فيه بايدن، تركيا إلى سحب أية قوات لها من أراضي العراق “ما لم يكن مسموحاً لها بالوجود هناك بإذن من بغداد”.

وتسرّبت أنباء وقتذاك عن أن أنقرة سحبت قواتها من معسكر زيلكان في بعشيقة شمال الموصل، لكن رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو، قال حينها إن قوات بلاده أعادت انتشارها في العراق ولم تنسحب بشكل كامل. 

الصعود إلى قنديل
في سنجار، يقول مسؤول سابق في المدينة لـ”جمار”: ”بعد سقوط نظام صدام صار لدى (PKK) حزب رسمي باسم الحركة الديمقراطية الإيزيدية الحرة”.

وبحسب مواقع قريبة من حزب العمال، فإن الأخير شكل في 4 آب عام 2014 وحدات مقاومة شنكال (سنجار) للدفاع عن المدينة وتحريرها من “داعش”.

وبيّن المسؤول السابق الذي طلب عدم نشر اسمه أن “حزب العمال” نزل من جبال قنديل في 2014 لنصرة الإيزيديين بعد احتلال “داعش”.


وكان “داعش” أثناء احتلاله لسنجار في آب 2014، قد قتل نحو 1300 ايزيدي، فيما تسبب بنزوح 360 ألفاً آخرين، حسب المديرية العامة لشؤون الإيزيدية في وزارة أوقاف حكومة إقليم كردستان.

وتقع جبال “قنديل” في إقليم كردستان عند نقطة التقاء الحدود العراقية الإيرانية التركية، وتمتد بعمق نحو 30 كيلومترا داخل الأراضي التركية، وتبعد بنحو 150 كيلومتراً عن أربيل.

ويرتبط جبل قنديل بالنشاط العسكري لحزب العمال الكردستاني الذي تقع جل معسكراته ومراكز تدريبه هناك رغم أنها خارج الأراضي التركية. ولذلك فإنها لطالما كانت هدفاً للطيران الحربي التركي، لكنه فشل في الحد من النشاط العسكري للحزب، على ما يقوله المسؤول السابق في سنجار.

“أقام حزب العمال بنية تحتية لمقاتليه في هذه الجبال الوعرة”. ومع أنه ليس هناك إحصاء دقيق لعدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في الجبل فإن تقديرات تشير إلى أن عددهم لا يتعدى أربعة آلاف مقاتل. وفق تقديرات المسؤول السابق.

ويؤكد المسؤول السابق في سنجار أن حزب العمال ليس عراقياً، فهو يضم جنسيات متعددة، “تركية وأوروبية وسورية وروسية بالإضافة إلى العراقية”.

معادلة سنجار 

في آذار 2017، زادت التهديدات التركية باقتحام سنجار لملاحقة حزب العمال، الأمر الذي أجبر الحزب على إعلان الانسحاب من المدينة، فيما تسلم “اليبشة” مقراته هناك.

يقول المسؤول السابق في سنجار، إن “اليبشة هي وحدات حماية سنجار، وهو تشكيل مرتبط بالحشد الشعبي ويتسلم رواتب وأسلحة من هيئة الحشد”. ويقدر المسؤول السابق أعداد “اليبشة” بنحو 1500 عنصر.

في 2018، كشف رئيس المجلس المحلي في سنجار، ويسي نايف، عن سيطرة عناصر مسلحة على مبنى المجلس المحلي.

وأعتبر نايف حينها، أن وجود هؤلاء جعل “300 ألف شخص (نازحين) من أبناء المنطقة يعزفون عن العودة”. 

يعود المسؤول السابق في سنجار ليقول “في أواخر 2018 نزل حزب العمال بغطاء (اليبشة) للسيطرة على الحكومة المحلية”.

وأضاف أن هذه المجموعة “اختارت قائممقام في سنجار ومدير ناحية ثم شكلت مجلس قضاء وطردوا الإدارة القديمة إلى دهوك”، وحتى الآن يدير قائممقام جديد وهو خلف سيداو، كلف في 2023 من قبل محافظ نينوى السابق نجم عبد الله الجبوري، يدير المدينة من خارج سنجار عند منطقة فايدة، جنوب دهوك.

وساعدت حينها الأوضاع المتأزمة بين كردستان وبغداد على تمدد حزب العمال، حين دخلت القوات التابعة للحكومة الاتحادية سنجار في أحداث 16 تشرين الأول 2017 وفي المقابل انسحبت القوات التابعة لحكومة إقليم كردستان.

وبقي حزب العمال أو ظله (اليبشة) مسيطراً على سنجار، حتى جاء مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء السابق في 2020، آنذاك وأبرم ما عرف بـ “اتفاقية سنجار” لإدارة المدينة.

أحمد ملا طلال، المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي آنذاك، قال إن القائد العام أشرف على اتفاق “تأريخي يعزز سلطة الحكومة الاتحادية في سنجار وفق الدستور، على المستويين الإداري والأمني، وينهي سطوة الجماعات الدخيلة”.

وأشار، في تغريدة، إلى أن الاتفاق “يمهد لإعادة إعمار المدينة وعودة أهاليها المنكوبين بالكامل، وبالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان”. 

لم تنفذ هذه الاتفاقية، بحسب المسؤول السابق في سنجار، والتي تضمنت 3 محاور (أمنية، خدمية، وإعادة تطبيع بإرجاع النازحين).

ويقدر عدد النازحين من سنجار بنحو 200 ألف نازح، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة. 

وتبدو المدينة الان محكومة من حزب العمال وإيران، بحسب ما يقوله غازي فيصل، رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية لـ”جمار”.

ووفق تعبير قيس الخزعلي، زعيم عصائب أهل الحق والقيادي في الإطار التنسيقي، فأن اتفاقية سنجار حصلت في حكومة الكاظمي وأُثبتت قانونياً أنها “غير قابلة للتطبيق”.

ويشير فيصل الى أن “طهران تدعم حزب العمال في سنجار لأن هذه المدينة هي نقطة مهمة تقع على طريق نقل السلاح والمقاتلين بين إيران وسوريا ولبنان”.

هل هي النهاية؟
تقول تركيا الآن بأنها ستضع حداً لحزب العمال في حملة هي الأوسع في صيف 2024، وستُنشئ منطقة عازلة تصل إلى 40 كم داخل الأراضي العراقية، بحسب الإعلام التركي الرسمي. 

بالمقابل، تبدو بغداد موافقة على الخطة التركية، حيث وصفت الحكومة العراقية لأول مرة حزب العمال بأنه ”منظمة إرهابية” خلال زيارة قام بها مسؤولون أتراك إلى بغداد في آذار الماضي، بحسب الوكالة العراقية الرسمية.

وكانت بغداد في السابق قد تجنّبت هذا الاعتراف حين طلب أردوغان من السوداني ذلك، أثناء زيارة الأخير أنقرة العام في آذار 2023. 

واكتفى السوداني، آنذاك، في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي بالإشارة إلى الجماعات المسلحة في شمال البلاد “التزام العراق بعدم السماح لاستخدام أراضيه منطلقاً للاعتداء على تركيا”.

ويقول غازي فيصل وهو دبلوماسي سابق إن “العراق يتطلع إلى حلول لأزمة المياه والاستفادة القصوى من طريق التنمية الذي أطلقته تركيا، إضافة إلى شراء الأسلحة من تركيا”.

وهذه الأوراق، وضعها العراق كأوراق أمام تركيا في المفاوضات التي دامت لأكثر من 8 أشهر بين وفدي البلدين، وقد اختتمت بتوقيع 22 باتفاقية إطارية، و22 مذكرة تفاهم، ومذكرة تفاهم إطارية تخص المياه، في زيارة أردوغان لبغداد.

ترى تركيا مصالح استراتيجية كبيرة مع العراق، منها مشروع مرور غاز من قطر عبر الأراضي العراقية نحو تركيا وأوروبا، وإنشاء أنبوب نفط ثانٍ موازٍ للأنبوب الممتد من كركوك إلى ميناء جيهان، وكذلك طريق التنمية.

ويرى فيصل أن العلاقات التجارية والاقتصادية وخصوصا طريق التنمية “لن تتحقق بوجود تهديد حزب العمال في شمال العراق، وهو أمر نبّه له الرئيس التركي”.

“اتفاق الإطار الإستراتيجي” للتعاون في الأمن والطاقة والاقتصاد الذي وقعه العراق مع تركيا “يُعد خارطة طريق لبناء تعاونٍ مستدامٍ” بين البلدين، يقول محمد شياع السوداني رئيس الوزراء.

للجانب العراقي، كان ملف المياه، هو أهم ملف للتفاوض مع تركيا، وما تسرّب من مذكرة الاتفاق الإطاري يُبقي الحديث عن التقاسم العادل للمياه عائماً، إذ أنه لم يحدد نسباً وكميات ثابتة ستحصل عليها الأراضي العراقية، التي يصلها الثلث، فقط، من حصتها.

وعلى العكس من ذلك، فإن ما ترشّح من الاتفاقية، يشير إلى هيمنة تركية على قضيّة إدارة المياه والزراعة في العراق. فوفق وزارة الخارجية العراقية، فإن بغداد وأنقرة ستتعاونان “عبر مشاريع مشتركة لتحسين إدارة المياه”، وسيجري دعوة شركات تركية للتعاون في البنى التحتية لمشاريع الري مثل؛ أنظمة وسدود حصاد المياه، وتبطين القنوات، ونصب محطات التصفية والتحلية، ومشاريع معالجة المياه.

يقول عادل المختار، الخبير في مجال المياه، إن “الذهاب إلى التحكيم الدولي أفضل للعراق في قضية أزمة المياه مع تركيا.. الاتفاقيات قد تحدث فيها أخطاء”.

بتعبير مستشار أحد الأحزاب داخل “الإطار التنسيقي”، فإن اتفاقية العراق وتركيا، تعد “ضمن صفقة المياه مقابل حزب العمال” التي تقودها حكومة السوداني.

سُتبقي “الصفقة” قواعد الجيش التركي منتشرة على جبال وفي وديان إقليم كردستان، و”هذه القوات (التركية) ستبقى ضمن اتفاقية بين الطرفين، وتعمل ضمن جهود محاربة الجماعات المتطرفة”.


شارك الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعي

اترك تعليقاً